أسوأ جفاف منذ 40 عاماً.. "كابوس المجاعة" يهدد دول القرن الإفريقي
أسوأ جفاف منذ 40 عاماً.. "كابوس المجاعة" يهدد دول القرن الإفريقي
"أسوأ جفاف تشهده منطقة القرن الإفريقي منذ 40 عامًا".. بهذا التحذير توقعت منظمات إغاثية وإنسانية أممية أن يخيم شبح المجاعة على 20 مليونا من سكان المنطقة.
والثلاثاء، أعلن برنامج الأغذية العالمي والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في بيان مشترك، أن التغيرات المناخية أدت لنقص كميات الأمطار المتساقطة للموسم الرابع على التوالي في منطقة القرن الإفريقي.
وأوضح البيان أن "نقص الأمطار دمر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الصومال وكينيا وإثيوبيا، وأدى إلى نفوق ملايين من رؤوس الماشية، ما يهدد بمجاعة لم تشهدها منطقة القرن الإفريقي منذ ثمانينيات القرن الماضي".
وأضاف أن "موسم الأمطار في شهري مارس ومايو الماضيين، هو الأكثر جفافا على الإطلاق، ما يجعل المجاعة خطرًا واقعًا، خاصة أن الجفاف يتزامن مع أزمة غذاء عالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية".
وأكد أن 16 مليونا و700 ألف مواطن من شرق إفريقيا يواجهون نقصًا حادًا في الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 20 مليونًا مع نقص كميات الأمطار المتساقطة في موسم سبتمبر المقبل.
ونقل البيان عن المتحدثة باسم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، كلير نوليس، قولها إن "المجاعة تلوح في شرق إفريقيا، وعلى العالم أن يشعر بالقلق من تدهور الأوضاع هناك".
وأضافت: "نحاول تجنب تكرار مجاعة قتلت مئات الآلاف من السكان قبل عشرة أعوام، فقد نفقت الملايين من رؤوس الماشية في المنطقة، وتسجل إثيوبيا والصومال وكينيا زيادة غير مسبوقة في عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية".
وتزيد الحرب الروسية الأوكرانية من حدة الأزمة، ما دعا الرئيس السنغالي ماكي سال، إلى التحذير بصفته رئيسا للاتحاد الإفريقي من أن "حصار روسيا للموانئ الأوكرانية يمهد الطريق لسيناريو كارثي في إفريقيا".
وقال ماكي سال، في كلمة أمام اجتماع لقادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل الثلاثاء، إن "جميع دول القارة الإفريقية تعاني من نقص واسع في السلع مع ارتفاع كبير في الأسعار".
وأضاف “سال” أن "وقف صادرات الحبوب والأسمدة الأوكرانية عبر البحر الأسود أمر يدعو لقلق القارة السمراء، التي تضم 282 مليون شخص يعانون من نقص في التغذية".
وأكد أن "إنتاج الحبوب سينخفض في إفريقيا بنسبة تتراوح من 20 إلى 50 بالمئة هذا العام، ما يستوجب بذل كل الجهود الممكنة لتحرير مخزون الحبوب الأوكراني، وتسهيل وضمان نقله إلى الأسواق.

وفي إبريل الماضي، قال برنامج الأغذية العالمي، في تقرير، إن "انخفاض معدلات هطول الأمطار منذ 2020 أدى إلى تراجع المساحات المزروعة ونفوق الماشية في منطقة القرن الإفريقي".
وأكدت إحصائيات برنامج الأغذية أن نحو 6.2 مليون نسمة في الصومال معرضون لخطر المجاعة، كما يواجه 6.5 مليون شخص في إثيوبيا، و3.5 مليون شخص في كينيا، أزمة انعدام حاد في الأمن الغذائي.
وتتوقع المنظمات الإغاثية الدولية أن يرتفع عدد المهددين بالمجاعة من 16.2 مليون إلى 20 مليون بنهاية العام الجاري.
بدوره، قال مدير المكتب الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق إفريقيا، مايكل دانفورد، إن "الوضع في منطقة القرن الإفريقي يتطلب عملًا إنسانيًا عاجلًا لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود أمام خطر المجاعة".
فيما أوضح المدير الإقليمي لمنظمة "يونيسف" لشرق وجنوب إفريقيا محمد مالك فال، أن وضع الأطفال في منطقة القرن الإفريقي "بائس"، مؤكدا أن ملايين الأرواح في المنطقة باتت على حافة الهاوية.
وأضاف مالك فال أن "الاحتياجات هائلة وضرورية والتمويل المتاح لا يغطيها لذلك لا بد أن يتحرك المجتمع الدولي سريعًا لمنع وقوع كارثة، لا سيما أن عددا كبيرا من الأطفال معرضون لخطر أكبر".
العالم يغمض عينيه
من جانبه قال الباحث الصومالي المتخصص في الاقتصاد الإفريقي، يوسف محمود، إن الأوضاع في بلاده باتت خطرا، حيث يعاني أكثر من نصف السكان من تدهور الأمن الغذائي.
وأوضح محمود لـ«جسور بوست»، أن نحو 2.5 مليون نسمة تركوا مناطقهم ونزحوا إلى مناطق أخرى، وهو ما يهدد بزيادة الصراعات والنزاعات على الزراعة والرعي.
وعاب على المجتمع الدولي عدم اهتمامه بالأوضاع في الصومال، إذ أعلنت الحكومة حالة الطوارئ منذ نوفمبر الماضي، وناشدت العالم للتدخل في الأزمة التي خلفها الجفاف، "لكن أحدًا لم يلبِ النداء".
واستطرد: "بعض المنظمات الأممية والدولية حاولت تقديم الدعم والمساعدة لكنها تعاني من نقص حاد في التمويل، ما يؤثر بشكل بالغ على الخدمات التي تقدمها لتعزيز قدرة الصومال على مواجهة المجاعة".
وقال محمود، إن الحرب الروسية الأوكرانية فاقمت الأزمة، جراء تعطل حركة نقل السلع الغذائية، وضرب حركة التجارة العالمية، والتأثير على سلاسل الإمدادات والتوريد، إلى جانب انشغال العالم بالضحايا من الأوكرانيين مقابل تجاهل الشعوب المأزومة الأخرى.
وأشار إلى أن النزوح من المناطق القاحلة إلى المناطق الأخرى عادة ما يتسبب في منازعات حول الرعي ومصادر المياه، ما يهدد الأمن الاجتماعي في البلاد.
وأوضح الباحث الصومالي أن الأمم المتحدة تحذر في تقاريرها طول الأشهر الماضية من ارتفاع عدد المتضررين من الجفاف إلى 6 ملايين تقريبا أي نحو 40 بالمئة من تعداد الصومال البالغ نحو 16 مليون نسمة.
وقال: "رغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات والوكالات الإغاثية إلا أن أحدا لم يتحرك، فالمجتمع الدولي مشغول بالصراع بين الغرب وروسيا في أوكرانيا".

وبدوره، قال الباحث الإثيوبي في الشؤون السياسية، رضوان عيسى، إن مناطق شرق وجنوب إثيوبيا، تعاني من ندرة هطول الأمطار الموسمية منذ موسم سبتمبر عام 2020.
وأضاف عيسى لـ«جسور بوست»، أن الجفاف أدى إلى تدمير المراعي ونفوق ملايين رؤوس الماشية، ما أثر على ملايين الأشخاص وأدى إلى تشريد نحو 300 ألف فروا من مناطقهم في عمليات نزوح داخلية.
وقال إن "الأزمة في إثيوبيا مركبة، فما زالت تداعيات الحرب الأهلية التي دارت بين الدولة وقوات تحرير إقليم تيغراي تؤثر بشكل واضح وحقيقي على الأمن الغذائي والإنساني".
وأضاف أن استمرار الجفاف وندرة هطول الأمطار عززا تداعيات الحرب التي أفقدت الدولة قدرتها على إدارة مثل تلك الأزمات الإنسانية.
وأشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من أزمة عالمية في أسعار السلع الغذائية عامل إضافي وضاغط يزيد من حدة تعرض منطقة القرن الإفريقي للمجاعة.
واختتم حديثه، قائلا: "جهود المنظمات الأممية والإغاثية لا يرقى لحد السيطرة على أزمة ملايين المواطنين المهددين بالمجاعة والجفاف في المنطقة".
و"القرن الإفريقي" هي المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب مِن الساحِل الإفريقي، والتي يحدها مِن الشمال البحر الأحمر ومن الجنوب المحيط الهندي، ويضم 4 دول هي: الصومال، وجيبوتي وإريتريا وكينيا.